موقف العامّة من الرجعة
الرجعة
2024 Oct 14موقف العامّة من الرجعة :
القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها ، وكان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته ، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة ، فكأنّهم يقولون يعبد صنما أو يجعل للّه شريكا ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الإمامية ويُشنّع به عليهم.
ولنأخذ مثالاً على ذلك جابر بن يزيد الجعفي ، فالثابت عند أغلب
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٣٨٢.
٧٠
أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابرا كان ثقة صدوقا في الحديث.
قال سفيان : كان جابر ورعا في الحديث ، ما رأيت أورع في الحديث منه (١).
وقال إسماعيل بن عُلية : سمعتُ شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث (٢).
وقال شعبة : لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي ، هل جاءكم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله (٣).
وقال وكيع : مهما شككتم في شيءٍ ، فلا تشكّوا في أنَّ جابرا ثقة ، حدثنا عنه مسعر ، وسفيان ، وشعبة ، وحسن بن صالح (٤).
وقال محمد بن عبداللّه بن عبدالحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة : لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك (٥).
وقال معلّى بن منصور الرازي : قال لي أبو معاوية : كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وكنت أدخل عليه فأقول : من كان عندك؟
__________________
(١) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٧. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ) : ٥٩. وميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.
(٢) الجرح والتعديل ١ : ١٣٦. والمصدر السابق.
(٣) الجرح والتعديل ١ : ١٣٦.
(٤) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٧. وتاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ) : ٥٩. وميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.
(٥) المصدر السابق.
٧١
فيقول : شعبة وسفيان (١).
وكان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم ، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم (٢).
وقال عبدالرحمن بن شريك : كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة (٣).
وعن الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تركوها كلّها (٤).
وعن سلام بن أبي مطيع ، قال : سمعتُ جابرا الجعفي يقول : إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما حدّثت بها أحدا (٥).
وروي نحو ذلك عن زهير بن معاوية (٦).
إذن فلماذا ترك بعضهم حديث جابر ، واتهموه بالكذب في الحديث تارة ، وبالرفض أُخرى ، وضعفوه ، ونهوا عن كتابة حديثه (٧)؟
والجواب كما تجده عند أقطابهم لا يعدو أكثر من نقطتين :
__________________
(١) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٨. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.
(٢) تاريخ الإسلام ، للذهبي (وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ) : ٥٩.
(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠.
(٤) صحيح مسلم ـ المقدمة : ٢٥. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٣.
(٥) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٨.
(٦) ميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩.
(٧) راجع تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٩. وتاريخ الإسلام (وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ) : ٦٠. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠. وضعفاء العقيلي ١ : ١٩٢ ـ ١٩٦. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ٤٩.
٧٢
الاُولى : اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهمالسلام بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من جميع الخلق وكونهم أوصياءه وحملة علمه.
فلقد عابوا عليه أن يقول : حدثني وصيّ الأوصياء (١) ، يريد بذلك الإمام محمد بن علي الباقر عليهالسلام.
وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابرا الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا فعلمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده ... حتى بلغ جعفر بن محمد.
قال سفيان : فتركته لذلك (٢).
وسمعه يقول أيضا : انتقل العلم الذي كان في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى علي ، ثم انتقل من علي إلى الحسن ، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا (٣).
وكأنهم لم يسمعوا قول رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها » (٤) ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها » (٥).
الثانية : قوله بالرجعة ، وعليه إجماعهم.
قال أبو أحمد بن عدي : عامّة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة (٦).
__________________
(١) ضعفاء العقيلي ١ : ١٩٤. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٣. وتهذيب التهذيب ٣ : ٤٩.
(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨١.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المستدرك على الصحيحين ، للحاكم ٣ : ١٢٦ و ١٢٧. وجامع الاُصول ٩ : ٤٧٣.
(٥) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧. ومصابيح السُنّة ٤ : ١٧٤.
(٦) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٨.
٧٣
التعلیقات