وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم للامام العسكري
ومن ذلك بالطريق المذكور يرفعه إلى أبي الحسن عليّ بن سنان الموصلي ، قال : حدّثني أبي ، قال : لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهالسلام قدم من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم [ والعادة ] (١) ، ولم يكن عندهم خبر بوفاة الحسن عليهالسلام ، فلمّا وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن عليهالسلام ، فقيل لهم : إنّه قد فقد ، فقالوا : فمن وارثه؟ قالوا : أخوه جعفر بن علي ، فسألوا عنه ، فقيل (٢) : خرج متنزّها وركب زورقا في دجلة يشرب ومعه المغنّون. قال : فتشاور القوم وقالوا : ليست هذه صفة الإمام ، وقال بعضهم لبعض : امضوا بنا حتّى نردّ هذه الأموال على أصحابها. فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمّيّ : قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على الصحّة.
فلمّا انصرف دخلوا إليه وسلّموا عليه وقالوا : يا سيّدنا ، نحن من قم ، وفينا جماعة من الشيعة وغيرها ، [ و ] (٣) كنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهالسلام الأموال. فقال : وأين هي؟ قالوا : معنا. فقال : احملوها إليّ. فقالوا : [ لا ] (٤) ، إنّ لهذه الأموال خبرا طريفا ، [ فقال : وما هو؟ قالوا : ] (٥) إنّها تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدينار والديناران ، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه ، وكنّا إذا وردنا بالمال قال سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهالسلام : جملة المال كذا وكذا دينارا ، من عند فلان كذا ، [ ومن عند فلان كذا ] (٦) ، حتّى يأتي على أسماء الناس كلّهم ، ويقول ما على نقش الخواتيم. فقال جعفر : كذبتم ، تقولون على أخي ما لا يفعله ، هذا علم الغيب.
فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض ، فقال لهم : احملوا هذا المال إليّ. فقالوا : إنّا قوم مستأجرون وكلاء ، وإنّا لا نسلّم المال إلاّ بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا الحسن عليهالسلام ، فإن كنت الإمام فبرهن لنا وإلاّ رددناها إلى أصحابها يرون فيها رأيهم.
فدخل جعفر [ على ] الخليفة ـ وكان بسرّمن رأى ـ فاستعدى عليهم ، فلمّا أحضروا (٧) قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر. قالوا (٨) : أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّا أقوام مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال ، وهي لجماعة ، وأمرونا [ بأن ] (٩) لا نسلّمها إلاّ بعلامة ودلالة ، وجرت هذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهالسلام.
فقال الخليفة : وما كانت الدلالة التي مع أبي محمّد الحسن؟
قال القوم : كان يصف الدنانير ، وأصحابها ، والأموال ، [ و ] (١٠) كم هي ، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا إليه مرارا وكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا ، وقد مات ، فإن يك هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه ، وإلاّ رددناها على أصحابها.
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء قوم كذّابون ، [ يكذبون ] (١١) على أخي ، وهذا علم الغيب.
فقال الخليفة : القوم رسل ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين.
قال : فبهت جعفر ولم يحر جوابا ، فقال القوم : يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتّى نخرج من هذه البلدة. قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها.
فلمّا خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها ، كأنّه خادم ، فصاح : يا فلان ابن فلان ، ويا فلان ابن فلان ، أجيبوا مولاكم (١٢). فقالوا : أنت مولانا؟ فقال : معاذ الله ، بل أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه.
قالوا : فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليّ عليهالسلام ، فإذا ولده القائم سيّدنا عليهالسلام قاعد على سرير كأنّه فلقة قمر ، عليه ثياب خضر ، فسلّمنا عليه ، فردّ علينا السّلام ، وقال : جملة المال كذا وكذا دينارا ، حمل فلان كذا ، وحمل فلان كذا ، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ، ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابّ ، فخررنا سجّدا لله تعالى وقبّلنا الأرض بين يديه ، وسألناه عمّا أردنا فأجاب ، وحملنا إليه الأموال ، وأمرنا القائم عليهالسلام أن لا نحمل إلى سرّ من رأى بعدها شيئا [ من المال ] (١٣) ، وأنّه ينصب لنا ببغداد وكيلا تحمل إليه الأموال ، وتخرج من عنده التوقيعات.
قالوا : فانصرفنا من عنده ، [ ودفع ] (١٤) إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر الحميري شيئا من الحنوط (١٥) والكفن ، وقال له : أعظم الله أجرك في نفسك. قال : فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي رحمهالله.
وكان [ بعد ] (١٦) ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى النّوّاب المنصوبين بها ، وتخرج من عندهم التوقيعات (١٧).
الهوامش :
(١) عن كمال الدين.
(٢) في النسخة : فقالوا. والمثبت عن كمال الدين.
(٣) عن كمال الدين.
(٤) عن كمال الدين.
(٥) عن كمال الدين.
(٦) عن كمال الدين.
(٧) في النسخة : حضروا. والمثبت عن كمال الدين.
(٨) في النسخة : قال. والمثبت عن كمال الدين.
(٩) عن كمال الدين.
(١٠) عن كمال الدين.
(١١) عن كمال الدين.
(١٢) في النسخة : بأموالكم. والمثبت عن كمال الدين.
(١٣) عن كمال الدين.
(١٤) عن كمال الدين.
ضمن كتاب السّلطان المفرّج عن أهل الإيمان السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم النيلي النجفي
التعلیقات