غَرْيبُ الدار
الدكتور محمّد حسين الصغير
2024 Oct 15غَرْيبُ الدار
نظمت في خراسان عند زيارة الشاعر الأولى لمرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في 10 / 5 / 1387 هـ = 19 / 8 / 1967 م.
والإمام الرضا عليه السلام ثامن أئمة المسلمين ، ولد بالمدينة المنورة في 11 ذي القعدة سنة 148 هـ ، وبويعَ بولاية العهد سنة 201 هـ ، وتوفي مسموماً على يد المأمون العباسي في طوس من أرض خراسان في 17 صفر سنة 203 هـ ، ودفن فيها إلى جنب هارون الرشيد في طوس ، واندثرت آثار الرشيد ، وبقي ضريح الإمام الرضا عليه السلام موئلاً لملايين الزائرين في كلّ عام.
نشرت القصيدة في مجلة العرفان الصيداوية.
ركبْتُ لـك المَفاوزَ والهضابا |
وجُبْتُ الأرضَ .. واجْتزتُ السَّحابا | |
وجِئتُ ( أبا الجَوَاد ) إليكَ أسْعى |
أؤمِّلُ أنْ أنالَ بكَ الرِّغابا | |
أؤمِّلُ أنْ أردَّ بكَ العِقابا |
غَدَاةَ غَدٍ .. وأنْتجعُ الثَّوابا | |
فيا كهفَ العُفاةِ لأنْتَ كهفي |
وأكْرِمْ فيكَ مأوًى وانْتسابا | |
ويا فَرْعَ النُّبوَةِ .. ما تَدَلَّى |
بأزْكى منكَ أصْلاً وانْتجابا | |
ويا ابن الطَّيْبينَ أباً وأمَّاً |
ويا ابنَ الأكّرمين يَدَاً وبابا | |
أنختُ ببابِكَ الألق الرِّكابا |
فأخْصَبَ .. وامْتَطى الدُّنيا رِكابا | |
وفي أعتابِهِ أنْزَلْتُ ثقلـي |
ولمْ أسْمعْ لعاذلـةٍ عتابا | |
ولمّا كُنْتُ كالفجرِ انْطلاقاً |
وكالأنداءِ رَوْحاً وانْسكابا | |
حملتُ هداك رأياً واعْتقاداً |
وقلباً ما تَشكَّكَ واسْتَـرابا | |
وعزماً سَعَّـرَ الجَمَـراتَ وقْداً |
وفكراً تَوَّجَ الدُّنيا صَوَابا |
* * *
غريبَ الدارِ يا نجماً تجلّضى |
ويا بدراً تَشَغشعَ ثمّ غابا | |
دَعَتْط سياسةُ الإرهابِ قَسْراً |
فما ألفَتْ لدعوتِها جوابا | |
خبرتَ الحُكمَ عن عزمٍ وحزمٍ |
وشِمتَ جهامَة الكابي سَرابا | |
فناهضتَ الطُّغاةَ .. وكنتَ فَذَّا |
أعدَّ لكُلٍّ داجيةٍ شهابا | |
ولمّا أن تمخّضَتِ الليالي |
وأولدَ حَملُها المِحنَ الصِّعابا | |
أتيتَ إلى قبولِ الحُكْم لمّا |
رأيتَ هلاكَ نفسِكَ والتَّبابا | |
وما ألقيتَ في الهَلَكاتِ نَفْساً |
فلستَ كمن : يُحابي ، أو يُحابى | |
وصُنتَ الدينَ مِن شُبهاتِ قومٍ |
أدافَ ضِلالُهم عسلاً وصابا | |
وكنتَ ضحيةَ التضليلِ لمّا |
لقتلِك أشرعوا تلك الحِرابا | |
لقد غدروا بشخصِك واستهانوا |
وعند اللهِ يَلقَون الحِسابا |
* * *
غريبَ الدار .. يا نفحاتِ قُدْسٍ |
تُعيدُ على المُحبِّين الشبابا | |
ويا رُوحَ الإمامة .. طِبتَ روحاً |
نديّاً .. يجذبُ القلبَ انجذابا | |
أتيتُك زائراً .. فشَمَمتُ تُرباً |
كأنّ المِسكَ خالَطَه خضابا | |
كأنَّ بقبرِك الجنّاتِ تجري |
وقد حضَنَت من القُدسِ الرِّحابا | |
أرى المَلأَ العَليَّ به مُغِذّاً |
هُبُوطاً .. أو مَجيئاً .. أو ذَهابا | |
ودار المتَّقين إلى خُلودٍ |
ودارُ الظالمين بَدَت خَرابا | |
وقبرٌ ( للرشيد ) غَدا محطّاً |
إلى اللَّعناتِ بَدْءاً وانقلابا | |
فأين المُلكُ ؟ والدُّنيا لدَيهِ |
وكان يُعِدُّ للدُّنيا الخِطابا | |
لقد طُوِيَت هَباءً .. فهي تَذْري |
عليها الرِّيحُ .. إذ تُرِكت يَبابا | |
وذي عُقباك .. تزدحم البرايا |
عليك بها خشوعاً وارتهابا |
* * *
غريبَ الدار .. لستَ غريبَ ذِكرٍ |
وقد حشَدَت فضائلُك الكتابا | |
بك التاريخ يسبح في خِضَمٍّ |
ويملأُ مِن مكارمِك العُبابا | |
فيا نجمَ العقيدةِ ما تَلالا |
بأزهَرَ منك ضوءاً والتهابا | |
يَخِبُّ الدهرَ سَيراً في خُطاهُ |
فيكشفُ عن معالمِك النِّقابا | |
سليلُ محمّدٍ .. وجَنى عليٍّ |
وأدنى الناسِ للزهراءِ قابا | |
تَزاحَمَتِ المآثرُ فيك حتّى |
ترعرع غرسُها وزكا وطابا | |
وكُلُّ كرامةٍ لك في ذُراها |
كيانٌ ما استَذلَّ ، ولا استجابا | |
وسِفْرُك حافلٌ .. وبكُلِّ آنٍ |
يُرينا الحمدَ والعَجَبَ العُجابا |
* * *
فيا نبعَ الأصالةِ مِن قريشٍ |
سَمَوتَ بدارةِ العَليا جَنابا | |
ويا خيرَ البريةِ مِن عليٍّ |
عَقَدتُ عليك آمالاً عِذابا | |
وجَمهَرةً من الرغَباتِ أرجو |
بفضلك أن أنالَ بها الطِّلابا | |
فَكاكي مِن لظى نارٍ أُعِدَّتْ |
إلى الطاغينَ ـ أحقاباً ـ مآبا | |
بكُم أرجو الخلاصَ إذا تَنادى : |
هَلمُّوا وادخلُوا بلظًى عَذابا | |
وُلِدتُ على ولايتِكم ، وأرجو الـ |
مماتَ على ولايتِك احتسابا | |
وليس يخيبُ مَن علُقَت يداهُ |
بقبرِك مستجيراً قد أنابا | |
شفاعةُ أحمدٍ حِصني اعتصاماً |
ولُقْيا حيدرٍ أملي اقترابا | |
وهل يدنو مِن النيرانِ جسمٌ |
أذابَ بُحبِّكُم رُوحاً فَذابا ! | |
غريبَ الدارِ في عَرَصاتِ طُوسٍ |
بحُبِّك قد ألِفتُ الإغترابا | |
يَعِزُّ على رسولِ الله نفساً |
بأن تَغدُو لشانِئِه انتهابا | |
وأن تُمشي سَميماً في ديارٍ |
فقدتَ الأهلَ فيها والصِّحابا | |
وحُرّاً لا يَرى إلّا عبيداً |
ورأساً لَم يجِدْ إلّا الذُّنابى | |
لقد ضاقُوا بما أُلهِمْتَ ذَرعاً |
فسَدُّوا البِيدَ حولَك والشِّعابا | |
وأُبعِد عنك آلُك ، واستباحُوا |
حِماك .. وكانَ أمنَعَها حجابا | |
يُذكّرُني مُصابُكَ كلَّ حينٍ |
( غرَيبَ الطَّفِّ ) أفجَعَها مُصابا | |
تَشابَهَ فَرعُكم بالأصلِ فيما |
خُصِصتُم بالبلاءِ دَجا اضطرابا | |
سَقَت أجداثَكُم وَطْفاءُ تَهمي |
بها الألطافُ صَبّاً وانسيابا |
مقتبس من كتاب : [ ديوان أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 229 ـ 234
التعلیقات