مسير الإمام الى الكوفة
السيد علي الميلاني
2024 Oct 15المرحلة الثالثة : الكوفة العاصمة
بعد مُقام المدينة ، يخرج الامام المهدي ( عليه السلام ) الى حرم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) الكوفة بعد أن يستعمل عليها رجلاً من أصحابه ، كما في الحديث (١).
وفي حديث الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ... ويسير نحو الكوفة ، وينزل على سرير النبي سليمان ( عليه السلام ) ، وبيمينه عصا موسى ، وجليسه الروح الأمين ، وعيسى بن مريم ، متّشحاً ببرد النبي ( صلى الله عليه وآله ) متقلّداً بذي الفقار ، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله ، يخرج من بين ثناياه نورٌ كالبرق الساطع ، على رأسه تاجٌ من نور » (٢).
وللكوفة يومئذ شأنٌ عظيم ومجد كريم ، حيث تكون عاصمة حكومته ودار خلافته ومركز شيعته. فيتجلى فيها السموّ والرفعة ، وتصير مهد الحياة الزاهرة في دولة العترة الطاهرة ، ببركة الامام المهدي ارواحنا فداه.
ففي حديث المفضل : قلت : يا سيدي ، فأين تكون دار المهديّ ومجتمع المؤمنين ؟
قال :
« دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريّين.
١ ـ البحار ، ج ٥٢ ، ص ٣٠٨ ، ح ٨٢.
٢ ـ يوم الخلاف ، المترجم ، ج ١ ، ص ٤٩٥.
قال المفضّل : يا مولاي كلُّ المؤمنين يكونون بالكوفة ؟
قال : إي والله ، لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها ، وليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم ...
وليصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلاً (١) ، ويجاوزن قصورها كربلاء.
وليصيّرنّ الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون ، وليكوننّ لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربّه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرّة » (٢).
وفي الحديث العلوي الشريف :
« ثم يقبل الى الكوفة ، فيكون منزله بها. فلا يترك عبداً مسلماً الا اشتراه واعتقه ، ولا غارماً الا قضى دينه ، ولا مظلمة لاحد من الناس الا ردّها ، ولا يُقتل منهم عبد الا أدّى ثمنه دية مسلَّمة الى أهلها ، ولا يُقتل قتيل الا قضى عنه دينه ، وألحق عياله في العطاء ، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً.
ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة انما كانت مسكن نوح وهي أرض طيبة ولا يسكن رجل من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولا يقتل الا بأرض طيّبة زاكية ، فهم الأوصياء الطيّبون » (٣).
وأنه ليكثر فيها الخيرات والبركات حتى تمطر السماء فيها ذهباً ، كما تلاحظه في
١ ـ الميل يساوي ( ١٨٦٠ ) متر ، كما في الأوزان والمقادير ، ص ١٣٢.
وعليه يكون امتداد الكوفة آنذاك ( ٥٤ ) ميل ، ويساوي ( ٤٤٠/١٠٠ ) متر.
فامتدادها فقط يكون أكثر من ( ١٠٠ ) كيلومتر ، ولذلك تجاوز قصورها كربلاء المقدسة.
٢ ـ البحار ، ج ٥٣ ، ص ١١ ، ب ٢٥ ، ح ١.
٣ ـ تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ٦٦. والرُحبَة بضم الراء وسكون الحاء : موضع بالكوفة كما في مجمع البحرين ، مادة رحب.
الحديث الصادقي :
« وتمطر السماء بها جراداً من ذهب » (١).
هذا ، مضافاً الى مرغوبية نفس الكوفة في حدّ ذاتها ، كما تلاحظها في احاديث فضلها وعظيم منزلتها (٢).
وأنه يكون مسجدها اكبر مسجد في العالم ، حتى يُبنى مسجدها الأعظم ويكون له الف باب (٣).
ولا بأس بالمناسبة بيان ما لهذا المسجد من فضل عظيم وشرف كبير :
١ ـ ففي حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
« مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة ، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّاً وميمنته رحمة ، وميسرته مكرمة.
فيه عصا موسى ، وشجرة يقطين ، وخاتم سليمان ، ومنه فار التنّور ونجرت السفينة ، وهي صرة بابل (٤) ومجمع الأنبياء » (٥).
٢ ـ وفي حديث الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا نحن ذات يوم حول أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في مسجد الكوفة ، إذ قال :
« يا أهل الكوفة ! لقد حباكم الله عزّوجلّ بما لم يَحْبُ به أحداً. ففضّل مصلاّكم وهو بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلّى إبراهيم الخليل ، ومصلّى أخي الخضر ( عليهم السلام ) ، ومصلاّي.
١ ـ البحار ، ج ٥٣ ، ص ٣٤ ، ب ٢٥ ، ح ١.
٢ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٩٦ ، ب ٦ ، ح ٣٣.
٣ ـ البحار ، ج ٥٢ ، ص ٣٣٠ ، ب ٢٧ ، ح ٧٦.
٤ ـ في بيان البحار : صرة بابل : أشرف أجزاءها.
٥ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٨٩ ، ب ٦ ، ح ١٣.
وإنّ مسجدكم هذا أحدٌ الأربع المساجد التي اختارها الله عزّوجلّ لأهلها ، وكأنّي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم ، يشفع لأهله ولمن صلّى فيه ، فلا تُردّ شفاعته ، ولا تذهب الأيّام حتّى ينصب الحجر الأسود فيه (١).
وليأتينَّ عليه زمان يكون مصلّى المهدي من ولدي ، ومصلّى كلّ مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن إلاّ كان به أو حنّ قلبه إليه.
فلا تهجرنّ ، وتقرّبوا الى الله عزّوجلّ بالصلاة فيه ، وارغبوا اليه في قضاء حوائجكم. فلو يعلم الناس ما فيه من البركة ، لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج » (٢).
٣ ـ وفي حديث عبدالله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« يا ابن مسعود ، لما اُسري بي الى السماء الدنيا ، أراني مسجد كوفان ، فقلت : يا جبرئيل ، ما هذا ؟
قال : مسجد مبارك ، كثير الخير ، عظيم البركة. اختار الله لأهله ، وهو يشفع لهم يوم القيامة » (٣).
٤ ـ وفي حديث محمد بن سنان ، قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول :
« الصلاة في مسجد الكوفة فرادى أفضل من سبعين صلاة في غير جماعة » (٤)
.
١ ـ في بيان البحار هنا : أن نصب الحجر الأسود في مسجد الكوفة كان في زمن القرامطة ، حيث خرّبوا الكعبة المعظمة ، ونقلوا الحجر الى المسجد الكوفة ، ثم ردّوه الى موضعه ، ونصبه الامام القائم ( عليه السلام ) بحيث لم يعرفه الناس كما مر ذكره في كتاب الغيبة.
٢ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٨٩ ، ب ٦ ، ح ١٤.
٣ ـ ا لبحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٩٤ ، ب ٦ ، ح ٢٧.
٤ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٩٧ ، ب ٦ ، ح ٣٤.
٥ ـ وفي حديث المفضل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال :
« صلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد » (١).
وأما مسجد السهلة بالكوفة ، فهو أيضاً من المساجد العظمى ، ذات الفضيلة الكبرى :
١ ـ ففي حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لي :
« يا أبا محمد ، كأني أرى نزول القائم ( عليه السلام ) في مسجد السهلة بأهله وعياله.
قلت : يكون منزله جعلت فداك ؟
قال : نعم ، كان فيه منزل إدريس ، وكان منزل إبراهيم خليل الرحمان ، وما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه ، وفيه مسكن الخضر.
والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلاّ وقلبه يحنّ إليه ، وفيه صخرة فيها صورة كلّ نبي.
وما صلّى فيه أحد فدعا الله بنيّة صادقة إلاّ صرفه الله بقضاء حاجته.
وما من أحد استجاره الاّ أجاره الله مما يخاف.
قلت : هذا لهو الفضل.
قال : نزيدك ؟
قلت : نعم.
قال : هو من البقاع التي احبّ الله أن تدعى فيها ، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة تزور هذا المسجد ، يعبدون الله فيه. أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلاّ فيه.
يا أبا محمد ، وما لم أصف أكثر.
١ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٣٩٧ ، ب ٦ ، ح ٣٦.
قلت : جعلت فداك ، لا يزال القائم فيه أبداً ؟
قال : نعم.
قلت : فمن بعده ؟
قال : هكذا من بعده الى انقضاء الخلق (١).
٢ ـ وفي حديث العلاء ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) :
« تصلّي في المسجد الذي عندكم الذي تسمّونه مسجد السهلة ، ونحن نسميه مسجد الشرى ؟
قلت : إنّي لأصلي فيه جعلت فداك.
قال : ائته ، فانّه لم يأته مكروب إلاّ فرّج الله كربته ، أو قال : قضى حاجته ، وفيه زبرجدة فيها صورة كلّ نبيّ وكلّ وصي » (٢).
٣ ـ وفي حديث الحضرمي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أو عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : أيُّ بقاع الله أفضل ، بعد حرم الله جلّ وعزّ ، وحرم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فقال : « الكوفة يا أبابكر. هي الزكيّة الطاهرة ؛ فيها قبور النبيّين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين.
وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيّاً إلاّ وقد صلّى فيه ، ومنه يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده ، وهي منازل النبيّين والأوصياء والصالحين » (٣).
وفي هذا المسجد المبارك دعا الامام الصادق ( عليه السلام ) لخلاص المرأة الصالحة في
١ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٤٣٦ ، ب ٧ ، ح ٧.
٢ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٤٣٧ ، ب ٧ ، ح ٩.
٣ ـ البحار ، ج ١٠٠ ، ص ٤٤٠ ، ب ٧ ، ح ١٧.
حديث بشار المكاري المعروف (١).
وفي هذا المسجد حصلت التشرفات الشريفة للأولياء والمؤمنين ، وعباد الله الصالحين.
فبانتظار ذلك اليوم الزاهر ، والعصر المشرق ، والحياة الذهبيّة ، مع المراقى المعنويّة ، تحت ظل الامام المنتظر الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا فداه ، أمل المؤمنين.
١ ـ البحار ، ج ٤٧ ، ص ٣٧٩ ، ب ١١ ، ح ١٠١.
(( ضمن كتاب الإمام المهدي (ع) ))
التعلیقات